mamacoco

ماما كوكو في صحيح مسلم

September 17, 20182 min read
ماما كوكو – لمن لا يعرفها – هي شخصية كرتونية من فلم كوكو الذي جسد مفهوم الاحتفال المُمارس في المكسيك و المسمى ب يوم الموتى حيث انهم يعتقدون أن ارواح اقاربهم الميتين تأتي لزيارتهم في يوم معين من السنة فيجهزوا القرابين على قبور موتاهم من مأكولات ومشروبات التي كانت محببة لهم في حياتهم.في هذا اليوم يخلد أهالي المكسيك ذكرى امواتهم عن طريق توريث سيرتهم عبر الاجيال. فبحسب فليم كوكو, فإن الارواح لا يسمح لها بزيارة عالم الاحياء اذا لم تكن صورهم موجودة في مذبح العائلة في احتفال يوم الموتى. لذلك يحرص الاهالي على تنصيب صورة كل فرد ميت من العائلة في مذبحهم ويذكرون الخصال الحميدة لكل واحد منهم.

ماما كوكو هي ابنة موسيقار هجر عائلته ساعياً وراء شغفه في عزف الموسيقى والغناء مما جعل زوجته اميلدا في حالة نقم شديد على زوجها الراحل وعلى الموسيقى بكل انواعها. قررت اميلدا بعد هجران زوجها أن تتخلى عن كل ما يمت للموسيقى بصلة في بيتها وان تُحرّمها بشكل قاطع. علاوة على ذلك, قررت ان تقطع كل ذكرى لزوجها لتجعله منسياً لابنتها كوكو ومجهولاً لاحفادها باعتبار انه لعنة حلت على العائلة
الفليم يبدأ برواية الشخصية الرئيسية ميغيل, احد احفاد ماما اميلدا من الجيل الخامس, الذي يعشق الموسيقى ويُبقي عشقه وممارساته سراً عن عائلته التي لا تزال تحرمها وتعتبرها لعنة بسبب ذلك الرجل المنسي المنبوذ الذي لا يعرفون عنه سوى انه هجر عائلته بسبب الموسيقى. بالطبع, لم يعاصر ميغيل جدته ميلدا التي توفت قبل ولادته بزمن طويل, لكنه عاصر ابنتها كوكو التي تكون له ام جدته لابيه. تستمر احداث الفيلم في سعي ميغيل وراء شغفه واستكشافه حقائق عن جده المنبوذ
ما اثار اعجابي وحفزني لكتابة مقالي هو قضية تجسيد ذكرى الموتى لابناءهم واستمرار ذكرهم الطيب على مر الاجيال. استشعرت خلال متابعتي للفليم -كما ستستشعر انت وقتها- حال الميت المنسي ذكره وحنينه لوصل اهله واحباءه. فالميت احوج مايكون لوصل دعاءنا, ولهدايا عباداتنا, ولذكر محاسنهم في جلساتنا. فلك أن تتخيل حال ميت شح وصاله, وانقطعت هداياه, واصبح يائساً من ان تُحيى ذكراه. فبحسب فليم كوكو, فإن الميت اذا أصبح منسياً وانقطع ذكره في عالم الاحياء سيتلاشى تماما بما يسمونه بالموت الاخير, وسيفقد فرصة اللقاء باهله مجدداً عند موتهم وانتقالهم لعالم الاموات. هكذا كان حال والد كوكو الذي لم يكن يحمل ذكراه سوى ابنته المحبة التي عاشت معه بضعاً من الزمن وكانت بينهما ذكريات جميلة. أما عائلتها لم تكن تعرف هويته اصلاً ولا تعرف عنه سوى انه شخص منبوذ وغير جدير بالذكر, وبسبب هذا النقم الذي ورثته لهم ماما ميلدا, احتفظت كوكو بذكرى والدها في نفسها دون ان تشاركها احد, الى ان شاخت واصبحت ذاكرتها مهدده بالنسيان
بكل بساطة, هذا ملخص الفليم بدون ان افسد عليكم متعة المتابعة. وفي الحقيقة, هذا هو ملخص الحياة في أبسط اشكالها. فما الحياه الا عبارة عن اثر نتركه, وشغف نتبعه, وذكريات نصنعها بعد رحيلنا. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية (الأثر), او علم ينتفع به (الشغف), او ولد صالح يدعو له (الذكرى)” رواه مسلم. فاختر من الثلاثة ما شئت, او اجمع بينهم بالقدر الذي ترغب ان يحيا فيه ذكرك بعد مماتك
Back to Blog