
كن أنت: رحلة البحث عن ذاتك الكونية
فلتضع يدك بيدي, ولنبدأ الرحلة سوياً, رحلة التعبير الكامل عن الذات, أو بالأحرى ثورة التعبير الكامل عن الذات. هي ثورة الصحوة من الزيف إلى الصدق
د. ايهاب حمارنة
في فترة ليس بالقصيرة وسعت مداركي لأُمور مختلفة تماما عما كنت احيط نفسي به من معلومات ومسلمات وتركت لنفسي المجال بأن تختبر أموراً لم تكن من ضمن خارطة ادراكي, وبسبب خوارزميات الفيس بوك التي تسترق السمع على اهتمامك وبحثك فيها, قابلت د. ايهاب مصادفة عبر احدى فيديوهاته التي شدتني لمتابعتها لنهاية المقطع, ورغم أنني لم اكن حريصة على متابعة كل منشوراته ومقاطعه, الا انني كنت استأنس بالفيديوهات التي اراها بين فترة واخرى على الفيس بوك, و علمت من خلال منشوراته انه اصدر كتابه “كن أنت” وانه متوفر في المكتبات في وقت لم اكن مستعدة لاقتناء مزيدا من الكتب لتراكم الكتب الغير مقروءة عندي. لكن الأقدار تشاء ان ازور فيه مكتبة جرير لحاجة ليس لي ولم اتمكن من منع نفسي من المرور على ارفف الكتب لتكون الحصيلة اربعة كتب من بينها كتاب كن أنت
عادتي في قراءة الكتب أن أحرص على تحديد العبارات التي تعجبني والتي اتفق معها حتى يسهل علي الرجوع لها وقت ما أحتاج اليها أو إذا أحببت مشاركتها أو مناقشتها مع من حولي, لكني قررت أن أبدأ بمشاركة هذه الإقتبسات في مدونتي لأفيد وأستفيد. أستفيد أنا من تحفيز نفسي على الكتابة الدورية, وأفيد بأن اعطي المهتم نظرة عامة على الكتاب, وبطبيعة الحال لن يشمل الملخص جميع جوانب الكتاب المكون من اكثر من 300 صفحة
في هذا الكتاب يمثل د. ايهاب دور المعلم, ليرشدك إلى مرشدك الداخلي, ويذكر فيه ان تنصيب نفسه كمعلم لم يكن من كِبر, بل يكمن في تعرية نفسه من خلال ذكر رحلة حياته بين دفتي الكتاب لتكون على اطلاع بما مر به من الالام وتحديات. فقد عرّف المعلم بقوله
المعلم الحق ليس ذلك العريف الضليع بأسرار الحياة, بل هو الرحالة الشجاع والمخلص في طلب العلم, المعلم الحق هو من ارتضى على نفسه أن يسافر في أبعاد الذات الداخلية ويقتحم كهوف الخوف الإنسانية, مندفعاً إلى أعماق غير مسبوقة, قد يفضّل الشخص التقليدي الموت على أن يغطس فيها, عارفاً أن هذا الترحال تدفعه نية المشاركة والتغيير
وطلب القارئ أن لا ينظر للكتاب من زاوية تحليليه بحتة, بل طلب قرائته بسكون واستمتاع لأن الكتاب يخاطب العقل اللاواعي ويمتد الى عمق الروح. وقد ذكر في الكتاب مقولة نسبها الى انشتاين تقول
القلب الحدسي هو الهدية الحقة, والعقل التحليلي هو الخادم المطيع, ولكننا أقمنا مجتمع يقدس الخادم وينسى الهدية
الجدير بالذكر أن د. ايهاب اتبع حدسه عن دخوله عالم الوعي لنشر وتجسيد فكرة التعبير الأعلى عن الذات والتي تهدف للارتقاء بالنفس الإنسانية من نظام الخوف والانفصال إلى نظام الحب والتوحيد
كل السلوكيات البشرية تنبع من مصدرين: إما الحب, أو الخوف
ومنذ البداية يأخذ د. ايهاب منك كقارئ العهد بالصدق وذلك بأن تصدق مع نفسك ليحقق الكتاب مبتغاه, ويظل يذكرك بذلك بين دفتي الكتاب انك لن تتطور من دون الصدق, ويقول لك
كن أنت, ففي رحم هذا المسعى تتجلى أنصع أشكال الصدق, الصدق المصفى من أنواع التزوير كافة والمجاملات الكذابة
كما أنه افرد فصلا كاملا اسماه “صدق الكلام” واكد ان للكلام اثر يتعدى مانعتقده وقال
عند زيادة الصدق في الكلام, ستزيد ضمنياً قدرتك على تجلي الأهداف بيسر رهيب
وشدد على الحرص على الصدق في كل الاحوال وان تعتبر كل ما يخرج من فمك التزاما الى ان تصل الى المرحلة التي يرتقي كلامك . تدريجيا الى درجة القسم. ولا يعني هذا ان تحرق نفسك بالالتزامات, بل بالعكس المطلب هو أن تخفف منها وان تتعلم ان تقول لا
في الفصل الثالث يشرح د. ايهاب مفهوم الخيار لدى البشر بمستوياته الثلاث. ففي المستوى الاول هو مستوى “اللاخيار” عندما يعتقد الانسان ان لاخيار لديه وأن حياته ماهي الا واجبات فرضت عليه
فالذهاب إلى العمل واجب, والخروج مع الناس واجب, والمباركة واجب, والتعزية واجب, والزواج واجب, والإنجاب واجب
وطبعا هذا المستوى ينطوي على حالة ذهنية من الشؤم واليأس وماهو إلا سجن فكري فيه قتل لروح الإبداع. أما المستوى الثاني ينتقل فيه الشخص الى مرحلة “الخيار” عندما يعي أن اغلب ما يلزم نفسه به ماهو الا وهم
فالذهاب مع هذا الشخص خيار, والرد على الهاتف خيار, وفتح صفحات التواصل خيار, والصدق بالتعبير أو الزيف خيار
وعندما يعي المرء قوة الخيار ويتدرب على مسك زمام خياراته, ينتقل الى المستوى الثالث ويعود الى مرحلة “اللاخيار” ولكن من منظور جديد يدرك فيه القوة المطلقة وهي ما تعرف بالتسليم
مايجعل الكتاب مربك وغير مريح هو أنه يطالبك بأن تعري نفسك أمام نفسك ويؤكد لك أن
طريق التنوير الحق هو طريق التعرية وليس الإضافة
لان الإضافة لاتكون الا لشئ ناقص, والخلق كامل ومكتمل بذاته. لذلك وجب علينا ان نعري انفسنا لنعود بها إلى اصالتها
الأصالة هي كسب الذات. عندما تختار طريق الأصالة, عليك أن تقوم بالإختيار المتكرر لذاتك, على حساب التقبل الخارجي, وهذا من أصعب المهمات الإنسانية
لذلك وجب عليك أن تواجه نفسك وتعترف أن
ما تعيب عليه بالخارج هو سجنك الداخلي
وتدرك أن
أفكارك هي المسبب لأحاسيسك وليس العالم الخارجي
و
أن مصدر كل أحاسيسك, ومن ضمنها عدم الأمان, هي من داخلك. مهما حاولت الهروب من هذه الحقيقة فستلاحقك في يقظتك وفي حلمك, وسيعود عدم الأمان الذي أنكرته في داخلك ليظهر ويتجلى في أماكن مختلفة في حياتك
فلا المال ولا الجاه ولا الحب ولا الجمال هم مصدر الأمان, إنما ينبع الامان من داخلك عندما يكون انتمائك لذاتك ولحقيقة من تكون
لن تشعر بالإنتماء الحقيقي إن طلب منك هذا الإنتماء بتغيير حقيقتك. فالإنتماء الحقيقي يبدأ من حقيقتك
ففي ظل تخبطاتنا في الحياة, وحمل معتقدات لا تشبهنا ودفن مخاوف فينا فنجد انفسنا اننا تهنا عن ذواتنا بتزيفها لنحصل على القبول من حولنا. لكن يوما ما ستلاحقنا الرحمة لتجبرنا على مواجهة انفسنا
الحياة ستكشف لك مخاوفك الدفينة عاجلاً أم آجلاً. هذا الكشف يبدأ بهمسات رقيقة قد تكون على شكل علامات صغيرة وخفية في يومك, وإن لم تسمع, إزدادت حدّة العلامة, وإن لم تسمع, سترغمك الحياة على الإنصات بطريقتها الخاصة, فتقرص اذنك بقوة وتشدها إلى فم الروح, وهذه الصرامة جزء من رحمة الحياة
لذلك وجب عليك أن تتأكد أن
الحل الجذري يأتي في المواجهة, في النظر في داخلك, والمشي بصدر رحب إلى بوابة الخوف
ووقتها يكون أمامك خياران لا ثالث لهما, أما أن تتجه نحو ذاتك الأصيلة أو تهرب منها. فأيهما تختار؟